فصل: الطبقة الثانية من العرب وهم العرب المستعربة وذكر أنسابهم وأيامهم وملوكهم والإلمام ببعض الدول التي كانت على عهدهم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الطبقة الثانية من العرب وهم العرب المستعربة وذكر أنسابهم وأيامهم وملوكهم والإلمام ببعض الدول التي كانت على عهدهم:

وإنما سمي أهل هذه الطبقة بهذا الاسم لأن السمات والشعائر العربية ولما انتقلت إليهم ممن قبلهم اعتبرت فيها الصيرورة بمعنى أنهم صاروا إلى حال لم يكن عليها أهل نسبهم وهي اللغة العربية التي تكلموا بها وفهو من استفعل بمعنى الصيرورة من قولهم: استنوق الجمل واستحجر الطين وأهل الطبقة الأولى لما كانوا أقدم الأمم فيما يعلم جيلا كانت اللغة العربية لهم بالأصالة وقيل العاربة.
واعلم أن أهل هذا الجيل من العرب يعرقون باليمينة والسبائية وقد تقدم أن نسابة بني إسرائيل يزعمون أن أباهم سبا من ولد كوش بن كنعان ونسابة العرب يأبون ذلك ويدفعونه والصحيح الذي عليه كافتهم أنهم من قحطان وأن سبا هو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان وقال ابن إسحق يعرب بن يشجب فقدم وأخر وقال ابن ماكولا على ما نقل عنه السهيلي اسم قحطان مهزم وبين النسابة خلاف في نسب قحطان فقيل هو ابن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام أخو فالغ ويقطن ولم يقع له ذكر في التوراة وإنما ذكر فالغ ويقطن وقيل هو معرب يقطن لأنه اسم أعجمي والعرب تتصرف في الأسماء الأعجمية بتبديل حروفها وتغييرها وتقديم بعضها على بعض وقيل إن قحطان بن يمن بن قيدار وقيل إن قحطان من ولد إسمعيل وأصح ما قيل في هذا إنه قحطان بن يمن بن قيدر ويقال الهميسع بن يمن بن قيدار وأن يمن هذا سميت به اليمن وقال ابن هشام أن يعرب ابن قحطان كان يسمى يمنا وبه سميت اليمن فعلى القول بأن قحطان من ولد إسمعيل تكون العرب كلهم من ولده لأن عدنان وقحطان يستوعبان شعوب العرب كلها.
وقد احتج لذلك من ذهب إليه بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرماة الأنصار: «ارموا يا بني إسمعيل فإن أباكم كان راميا» والأنصار من ولد سبا وهو ابن قحطان وقيل إنما قال ذلك لقوم من أسلم من أقصى أخوة خزاعة بن حارثة بناء على أن نسبهم في سبا وقال السهيلي ولا حجة في شيء منهما لأنه إذا كانت العرب كلها من ولد إسمعيل فهذا من السهيلي جنوح إلى القول بمفهوم اللقب وهو ضعيف ثم قال: والصحيح أن هذا القول إنما كان منه صلى الله عليه وسلم لأسلم كما قدمناه وإنما أراد أن خزاعة من معد بن إلياس بن مضر وليسوا من سبا ولا من قحطان كما هو الصحيح في نسبهم على ما يأتي واحتجوا أيضا لذلك بأن قحطان لم يقع له ذكر في التوراة كما تقدم فدل على أنه ليس من ولد عابر فترجح القول بأنه من إسماعيل وهذا مردود بما تقدم أن قحطان معرب يقطن وهو الصحيح وليس بين الناس خلاف في أن قحطان أبو اليمن كلهم ويقال إنه أول من تكلم بالعربية ومعناه من أهل هذا الجيل الذين هم العرب المستعربة من اليمنية وإلا فقد كان للعرب جيل آخر وهم العرب العاربة ومنهم تعلم قحطان تلك اللغة العربية ضرورة ولا يمكن أن يتكلم بها من ذات نفسه وكان بنو قحطان هؤلاء معاصرين لإخوانهم من العرب العاربة ومظاهرين لهم على أمورهم ولم يزالوا مجتمعين في مجالات البادية مبعدين عن رتبة الملك وترفه الذي كان لأولئك فأصبحوا بمنجاة من الهرم الذي يسوق إليه الترف والنضارة فتشعبت في أرض الفضا فصائلهم وتعدد في جو القفر أفخاذهم وعشائرهم ونما عددهم وكثر إخوانهم من العمالقة في آخر ذلك الجيل وزاحموهم بمناكبهم واستجدوا خلق الدولة بما استأنفوه من عزهم.
وكانت الدولة لبني قحطان متصلة فيهم وكان يعرب بن قحطان من أعاظم ملوك العرب يقال إنه أول من حياة قومه بتحية الملك قال ابن سعيد: وهو الذي ملك بلاد اليمن وغلب عليها قوم عاد وغلب العمالقة على الحجاز وولى إخوته على جميع أعمالهم فولى جرهما على الحجاز وعاد بن قحطان على الشحر وحضرموت بن قحطان على جبال الشحر وعمان بن قحطان على بلاد عمان هكذا ذكر البيهقي وقال ابن حزم: وعد لقحطان عشرة من الولد وأنه لم يعقب منهم أحد ثم ذكر ابنين منهم دخلوا في حمير ثم ذكر الحرث بن قحطان وقال فولد فيما يقال له لاسور وهم رهط حنظلة بن صفوان نبي الرس والرس ما بين نجران إلى اليمن ومن حضرموت إلى اليمامة ثم ذكر يعرب بن قحطان وقال فيهم الحميرية والعداد انتهى قال ابن سعيد وملك بعد يعرب ابنه يشجب وقيل اسمه يمن واستبد أعمامه بما في أيديهم من الممالك وملك بعده ابنه عبد شمس وقيل عابر ويسمى سبا لأنه قيل إنه أول من سن السبي وبنى مدينة سبا وسد مأرب وقال صاحب التيجان إنه غزا الأقطار وبنى مدينة عين شمس بإقليم مصر وولى عليها ابنه بابليون وكان لسبا من الولد كثير وأشهرهم حمير وكهلان اللذان منهما الأمتان العظيمتان من اليمنية أهل الكثرة والملك والعز وملك حمير منهم أعظمه وكان منهم التبابعة كما يذكر في أخبارهم وعد ابن حزم في ولده زيدان وابنه نجران بن زيدان وبه سميت البلد ولما هلك سبا قام بالملك بعد ابنه حمير ويعرف بالعرنجج وقيل هو أول من تتوج بالذهب ويقال إنه ملك خمسين سنة وكان له من الولد ستة فيما قال السهيلي: واثل ومالك وزيد وعامر وعوف وسعد وقال أبو محمد بن حزم الهميسع: ومالك وزيد وواثل ومشروح ومعد يكرب وأوس ومرة وعاش فيما قال السهيلي ثلثمائة سنة وملك بعده ابنه واثل وتغلب أخوه مالك بن حمير على عمان فكانت بينهما حروب وقال ابن سعيد: إن الذي ملك بعد حمير على عمان فكان بينهما حروب وقال ابن سعيد: إن الذي ملك بعد حمير أخوه كهلان ومن بعده واثل بن حمير ثم من بعد واثل السكسك بن واثل وكانت مالك بن حمير قد هلك وغلب على عمان بعده ابنه قضاعة فحاربه السكسك وأخرجه عنها وملك بعده ابنه يعفر بن السكسك وخرجت عليه الخوارج وحاربه ملك بن الحاف بن قضاعة وطالت الفتنة بينهما وهلك يعفر وخلف ابنه النعمان حملا ويعرف بالمعافر واستبد عليه من بني حمير ماران بن عوف بن حمير ويعرف بذي رياش وكان صاحب البحرين فنزل نجران واشتغل بحرب مالك بن الحاف بن قضاعة.
ولما كبر النعمان حبس ذارياش واستبد بأمره وطال عمره وملك بعده ابنه أسجم بن المعافر فاضطربت أحوال حمير وصار ملكهم طوائف إلى أن استقر في الرايش وبنيه التبابعة كما نذكره.
ويقال إن بني كهلان تداولوا الملك مع حمير هؤلاء وملك منهم جبار بن غالب بن كهلان وملك أيضا من شعوب قحطان نجران بن زيد بن يعرب بن قحطان وملك من حمير هؤلاء ثم من بني الهميسع بن حمير أبين بن زهير بن الغوث بن أبين بن الهميسع وإليه نسب عرب أبين من بلاد اليمن وملك منهم أيضا عبد شمس بن واثل بن الغوث بن حيران بن قطن بن عريب بن زهير بن أبين بن الهميسع بن حمير ثم ملك من أعقابه شداد بن الملطاط بن عمرو بن ذي هرم بن الصوان بن عبد شمس وبعده أخوه وبعد أخوه لقمان ثم أخوهما ذو شدد وهداد ومداثر وبعده ابنه الصعب ويقال إنه ذو القرنين وبعده أخوه الحرث بن ذي شدد وهو الرائش جد الملوك التبابعة وملك في حمير أيضا من بني الهميسع من بني عبد شمس هؤلاء حسان بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس.
قال أبو المنذر هشام بن الكلبي في كتاب الأنساب ونقلته من أصل عتيق بخط القاضي المحدث أبي القاسم بن عبد الرحمن بن حبيش قال: ذكر الكلبي عن رجل من حمير من ذي الكلاع قال: أقبل قيس يحرق موضعا باليمن فأبدى عن أزج فدخل فيه فوجد سريرا عليه رجل ميت وعليه جباب وشيء مذهبة في رأسه تاج وبين يديه مجحن من ذهب وفي رأسه ياقوتة حمراء وإذا لوح مكتوب فيها: بسم الله رب حمير أنا حسان بن عمرو القيل مات في زمان هيد وما هيد هلك فيها اثنا عشر ألف قبيل فكنت آخرهم قبيلا فابتنيت ذا شعبين ليجرني من الموت فاخفرني كلامه وقال الطبري: وقيل أن أول من ملك من اليمن من حمير شمر بن الأملوك كان لعهد موسى عليه السلام وبني طفار وأخرج منها العمالقة ويقال كان من عمال الفرس على اليمن انتهى الكلام في أخبار حمير الأول والله سبحانه وتعالى ولي العون.